كتاب الحجّ

وقد جعل الله للحجّ مزيّة

وقد جعل الله للحج مزيَّة ليست للصَّلاة ولا للصّيام ولا للزكاة وهي أنّه يكفِّر الكبائر والصغائر لقوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَجَّ فلم يرفُثْ ولم يفْسُقْ خَرَجَ من ذنُوبِهِ كيومَ ولدَتْهُ أُمُّه» رواه البخاري ومعنى «فلم يرفث» كفَّ نفسه عن الجماع ما دام في الإحرام بخلاف الصَّلوات الخمس والزَّكاة والصّيام فإنّها لا تكفّر الكبائر ومع ذلك الصلواتُ الخمسُ مرتبتُها في الدِّين أعلى من مرتبة الحجّ، فإِن قيل كيف يكونُ ذلك فالجواب أَن المَزِيَّة لا تقتضي التفضيل أي أَنَّ الحج وإن كان له مزيةُ أنه يكفِّر الكبائر والصَّغائر بخلاف الصَّلوات الخمس فليس ذلك دليلاً على أنّه أفضل منها.
ثم الشرطُ في كون الحج يكفّر الكبائر والصَّغائر ويجعلُ الإِنسان كيومَ ولدته أُمّه أن تكون نيّته خالصةً لله تعالى، وأن يحفظ نفسهُ من الفسوق أي من كبائر الذُّنوب والجماع، وأن يكون المال الذي يتزوّده لحجّه حلالاً، فأَمَّا من لم يكن بهذه الصفة فلا يجعله حجّه كيوم ولدته أمّه لكنّه لو لم يحفظ نفسه من صغائر الذنوب فلا يمنعه ذلك من تلك الفضيلة 3،
فلا يقال للذي تحصل منه الصَّغائر وهو في الحج كَكَذْبَةٍ من الصغائر ونظرةٍ بشهوة ذهب ثواب حجّك فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدَ صبيحةَ العيد بمنًى امرأة شابة جميلة تسأله عن مسئلةٍ في الحج فجعل ابنِ عمّه ينظُر إليها أعجبه حسنها وجعلت هي تنظر إليه أعجبها حسنُهُ فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنقَ ابن عمّه الذي كان راكبًا خلفه على البعير إلى الشِقِّ الآخرِ ولم يقل له أنت أذهبت ثواب حجّك لأنك نظرت نظرةً محرّمة. هذا الحديث رواه البخاريُّ والترمذيُّ.
-------------

3- أي أن يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه.