كتاب الحجّ

الاستطاعة المعنوية

وأَمَّا الاستطاعةُ المعنويّة أي الاستطاعة الحكميّة فمنها أن تجد المرأة محرَمًا يرافقها أو نسوةً ثقاتٍ بالغاتٍ أو مراهقات، قال بعضهم لو وجدت ثقة واحدة يكفي لحصول الاستطاعة8، فإن كان محرمها لا يسافر معها للحج إِلا بالأجرة فيشترط أن تكون واجدةً لهذه الأجرةِ أي قادرةً عليها، فلا يجب على المرأة أن تحج إلا بهذا الشرط فإن لم تحصل على هذا الشرط جازَ لها أن تخرج لحج الفرض وحدها9، أَمَّا لغير الحج الواجب وهو النفل فلا يجوزُ لها السفرُ من أجله وحدها ولا مع النسوة الثِّقات. ويشمل هذا الحكم سفرها لزيارة الأولياء أو لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لها أن تسافر لغير الفرض من حج أو غيره إلا مع محرم10 وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تسافرُ المرأةُ مسيرةَ ثلاثةِ أيّامٍ» وفي رواية «مسيرةَ يومٍ وليلةٍ» وفي رواية «بريدًا»11 «إِلا ومعها محرم» وكلّ هذه الرِّوايات صحيحةُ الإسناد12 13. فإذا كان لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم أو زوج لحج النفل وزيارة قبر الرّسول ونحو ذلك فبالأولى أن لا يجوز لها السّفر وحدها للتنـزه إلا أن يكون سفرها لضرورة كأن تخاف على نفسها في بلدها أو لا تجد قوتها أو لا تجد من يعلّمها دينها أي علم دينها الضروري.
وهذه الاستطاعةُ تُسمَّى الاستطاعة بالنّفس، وهناك استطاعةٌ بالغير وذلك في المعضوب الذي قطعه المرض وبينه وبين مكة مرحلتان فأكثر14 فلا يستطيع أن يحج بنفسه ماشيًا أو راكبًا، فهذا يجبُ عليه أن يُنيب عن نفسه من يحج عنه بأجرةٍ إن قدر عليها، وهذا النائب يجب أن يكون قد حج عن نفسه أَمَّا الذي لم يحجَّ عن نفسه فلا ينوب عن غيره.
-------------

8- قال في روضة الطالبين وفي قول يلزمها إذا وجدت امرأة واحدة اﻫ وعلى القول الآخر لا يلزمها لكن يجوز لها كما في فتح الوهاب.
9- قال في المجموع وروى الكرابيسيُّ عنه إذا كان الطريق ءامنًا جاز من غير نساء وهو الصحيح اﻫ
10- قال النووي في المجموع قالوا فإن كان الحج تطوعًا لم يجز أن تخرج إلا مع محرم وكذا السفر المباح كسفر الزيارة والتجارة لا يجوز خروجها في شىء من ذلك إلا مع محرم أو زوج اﻫ
11- البريد هو مسافة نصف نهار.
12- رواها أبو داود، باب في المرأة تحج بغير محرم.
13- قال في إعانة الطالبين وقوله «يومين» في الرواية الأولى «وثلاثة أيام» في الرواية الثانية «وبريدًا» في الثالثة ليس قيدًا والمراد كلُّ ما يسمى سفرًا سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يومًا أو بريدًا أو غير ذلك لرواية ابن عباس المُطْلَقَةِ «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرًا قوله (وإن قصر) أي السفر وهو غاية لحرمة السفر وحدها اﻫ ورواية ابن عباس أخرجها البخاري في باب حج النساء. قال النووي في شرحه على صحيح مسلم قال العلماء اختلاف هذه الالفاظ لاختلاف السائلين واختلاف المواطن وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أو البريد قال البيهقي كأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثًا بغير محرم فقال لا وسئل عن سفرها يومين بغير محرم فقال لا وسئل عن سفرها يومًا فقال لا وكذلك البريد فأدى كلٌّ منهم ما سمعه وما جاء منها مختلفًا من رواية واحد فسمعه في مواطن فروى تارة هذا وتارة هذا وكله صحيح وليس في هذا كلِّهِ تحديدٌ لأقل ما يقع عليه اسم السفر ولم يُرِدْ صلى الله عليه وسلم تحديدَ أقل ما يسمى سفرًا فالحاصل أن كل ما يسمى سفرًا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يومًا أو بريدًا أو غير ذلك لرواية ابن عباس المطلقة وهي ءاخر روايات مسلم السابقة لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرًا والله أعلم اﻫ
14- قال الأنصاري في شرح الروض لا يُحَجُّ عن المعضوب أي الميئوس من قدرته على الحج بنفسه وهو بالضاد المعجمة من العضب وهو القطع كأنه قطع عن كمال الحركة ويقال بالمهملة كأنه قُطع عصبه أو ضُرب بغير إذنه اﻫ أي لا يحج عن المعضوب بغير إذنه ثم قال نعم إن كان بمكة أو بينه وبينها دون مسافة قصر لزمه أن يحج بنفسه لقلة المشقة عليه نقله في المجموع عن المتولي وأقره اﻫ