جهنم... أتَقْوَى على عذابها!

قال الله تعالى: أَلَم يَعلَموا أَنَّهُ مَن يُحادِدِ اللَّـهَ وَرَسولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدًا فيها ذلِكَ الخِزيُ العَظيمُ ﴿٦٣﴾ سورة التوبة

جهنم... أتَقْوَى على عذابها!

ذوقوا مسّ  سقر

ذوقوا مسّ  سقر

أما بعدُ فقد روى الإمامُ مسلمُ بنُ الحجاجِ في صحيحِهِ مِنْ حديثِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ قالَ: خاصمَ المشركونَ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في القدرِ، فأنزلَ اللهُ تباركَ وتعالى: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ* يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [ سورة القمر /47-48-49].

ليُعلمْ أنَّ الإيمانَ بالقدرِ مِنْ أهمِّ مسائلِ أمورِ الدينِ؛ لأنَّ المخالفةَ لأهلِّ الحقِّ فيهِ يُوقِعُ في الضلالِ الذي هو سببٌ للخلودِ الأبديِّ في النارِ. فالرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لَمَّا جاءَهُ جبريلُ عليهِ السلامُ يسألُهُ عن بيانِ الإسلامِ والإيمانِ والإحسانِ أجابَهُ عن الإيمانِ بقولِه: "أن تؤمنَ باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِه واليومِ الآخرِ وتؤمنَ بالقدرِ خيرِهِ وشرِّهِ" فقالَ لهُ سيدُنا جبريلُ: "صدقتَ" رواهُ مسلمٌ. فبيّنَ لنا النبيُّ أنَّ الإيمانَ مِنْ جملتِه الإيمانُ بأنَّ المقدورَ الذي منهُ ما هو خيرٌ ومنهُ ما هو شرٌّ وُجِدَ بتقديرِ اللهِ تباركَ وتعالى وخلقِهِ، فمن أنكرَ ذلكَ لا يكونُ مؤمنًا.
وروى البيهقيُّ رحمَهُ اللهُ في أمرِ القدرِ عن عطاءِ بنِ السائبِ عن ميسرةَ عن عليٍّ رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ قالَ: "إنَّ أحدَكم لن يخلُصَ الإيمانُ إلى قلبِهِ حتى يستيقنَ يقينًا غيرَ ظنٍّ أنَّ ما أصابَهُ لم يكن ليخطئِهُ وما أخطأَهُ لم يكن ليصيبَهُ ويقرُّ بالقدرِ كلِّهِ" معناهُ لا يجوزُ أن يؤمنَ ببعضِ القدرِ ويكفرَ ببعضٍ بل يجبُ على كلِّ مسلمٍ أن يؤمنَ بأنَّ كلَّ ما يجري في الكونِ مِنْ خيرٍ أو شرٍّ، ضلالةٍ أو هدًى، عُسرٍ أو يُسرٍ، حلوٍ أو مرٍّ، كلُّ ذلكَ بخلقِ اللهِ ومشيئتِه حدثَ وكانَ، ولولا أنَّ اللهَ تعالى شاءَ وجودَهُ وكوّنَهُ وخلقَهُ ما حصلَ.
قالَ اللهُ تعالى:﴿إنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلالٍ﴾ عنِ الحقِّ في الدنيا ﴿وَسُعُرٍ﴾ ونيرانٍ في الآخرةِ أو في هلاكٍ ونيرانٍ ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ﴾ يُجَرُّون فيها ﴿عَلَى وُجُوهِهِمْ﴾ ويُقالُ لهم ﴿ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ كقولِك "وجَدَ مسَّ الْحِمى وذاقَ طعمَ الضربِ" لأنَّ النارَ إذا أصابتَهم بِحرِّها فكأنَّها تَمَسُّهم مسًّا بذلكَ. ﴿إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـاهُ بِقَدَرٍ﴾ الشىءُ يشملُّ كلَّ ما دخلَ في الوجودِ مِنْ إراداتِ الإنسانِ وحركاتِهم وسكناتِهم وتقلبِ القلبِ قالَ تعالى:﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ﴾ [سورة الأنعام /110] أخبرَنا اللهُ تعالى بأنَّ ما يجري في قلبِ بني ءادمَ مِنَ التفكيراتِ والإراداتِ أنَّ ذلكَ هو خالقُهُ قالَ تعالى:﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِه﴾ [سورة الأنفال/24]. وثبتَ أن الرسولَ عليهِ السلامُ قالَ: "اللهمَّ مُصرفَ القلوبِ صرِّفْ قلوبَنا على طاعتِك" في هذا الحديثِ أنَّ اللهَ هو الذي يُوجِّهُ القلوبَ إلى الخيرِ وإلى الشرِ فلو كان للإنسانِ تصرفٌ مطلقٌ لم يَدعُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ هذا الدعاءَ، الحديثُ رواهُ مسلمٌ والبيهقيُّ وغيرُهما.