قراءة في حديث نبوي شريف

"قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثلُكُم يوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلـهُكُم إِلـهٌ واحِدٌ فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلًا صالِحًا وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ ﴿110﴾ ﴿سورة الكهف﴾

شرح أحاديث نبوية شريفة

في خُلق المسلم

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُونَ حَتَّى تَحَابُّوا، أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ". وَأَمَرَنَا الحَبِيبُ أَنْ نَقْرَأَ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْنَا وَمَنْ لَمْ نَعْرِفْ. وَأَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الاِبْتِدَاءَ بِهِ سُنَّةٌ وَأَمَّا الرَّدُّ فَهُوَ فَرِيضَةٌ، وَمِنْ ءَادَابِ هَذِهِ التَّحِيَّةِ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي وَالمَاشِي عَلَى القَاعِدِ وَالقَليلُ عَلَى الكَثِيرِ، وَكَمَا شُرِعَ السَّلامُ عِنْدَ اللِّقَاءِ فَقَدْ شُرِعَ عِنْدَ الفِرَاقِ.

التواضع

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّكُمْ لَتَغْفَلُونَ عَنْ أَفْضَلِ العِبَادَةِ التَّوَاضُعِ" اهـ، وَلِذَلِكَ كَانَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانِ اللهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَشَدِّ النَاسِ تَوَاضُعا سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَرَجَ مَرَّةً لِلْجُمُعَةِ وَلَبَسَ اللِّبَاسَ الَّذِي يَلْبَسُهُ المسْلِمُ لِلْجُمُعَةِ وَهُوَ فِي طَرِيقِهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ مِيزَابِ دَارِ العَبَّاسِ دَمُ فَرْخَيْنِ ذُبِحَا مَعَ مَاءٍ فَذَهَبَ وَغَسَلَ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يُزَالُ هَذَا المِيزَابُ، فَقَالَ العَبّاَسُ هَذَا الرَّسُولُ وَضَعَه فَقَالَ عُمَرُ يُعَادُ كَمَا كَانَ، وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ تَطْلُعُ عَلَى ظَهْرِي، وَعَزَمَ عَلَيْهِ فَطَلَعَ العَبَّاسُ عَلَى ظَهْرِهِ وَأَعَادَهُ. التَّوَاضُعُ أيُّهَا الإِخْوَةُ نَتِيجَتُهُ سَلاَمَةٌ مِنَ الفَخْرِ.

الصدق

روى الإمامُ مُسلمٌ في صحيحِهِ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنّهُ قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ "عليكُم بالصدقِ فإنَّ الصدقَ يهدي إلى البرِّ وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ، وما يزالُ الرجلُ يَصْدُقُ وويتحَرَّى الصِدقَ حتى يكتبَ عندَ اللهِ صِدّيقًا، وإيّاكُم والكذبَ فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفُجورِ 1 وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النارِ ومايزالُ الرجُلُ يكذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتى يُكتَبَ عندَ اللهِ كذّابًا".
والكَذِبُ إخوةَ الإيمانِ وهو ما نريد بسط الكلام فيه، هو الكلام على خلاف الواقع إذا كان يعلم أنه بخلاف الواقع، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم ورهَّب من الكذب لأنه يوصل الإنسان إلى الفجور وهو الميل إلى الفساد والشرور. وإذا تكرر الكذب أصبح عادة وطبيعة يصعب الخلاص منها وعندها يكتب اللإنسان كذّابا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا مع الصادقين.

------------------------------------------------
1- أيْ هُوَ وسيلَةٌ إلى ذلِك، أيْ طريقٌ يُوصِلُ إلى ذلكَ

الكذب على الرسول

قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ "مَنْ كَذبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقعَدَهُ منَ النَّارِ" رواهُ الشيخانِ.
وإذا كانَ في هذا الكذبِ تحليلُ مُحــرَّم بالإجماعِ معلومٍ من الدينِ بالضرورةِ مما لا يخفى عليهِ كالزنى واللواط والقتلِ والسرقة والغصب أو تحريمِ حلالٍ ظاهرٍ كذلك كالبيعِ والنكاحِ فهو كفرٌ والعياذُ باللهِ تعالى كما يفتري بعضُهم ليُضحِكَ الناسَ فيقولُ قالَ اللهُ تعالى "إذا رأيت الأعمى فكبه على وجهه إنك لست أكرم من ربه" فهذا كفر والعياذ بالله من ذلك.

النصيحة

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" وَنَصِيحَةُ المُسْلِمِ إِرْشَادُهُ إِلَى مَصَالِحِهِ فِي أَمْرِ ءَاخِرَتِهِ وَدُنْيَاهُ وَتَوْجِيهُهُ إِلَى الخَيْرِ وَهيَ مَعَ وَجَازَةِ لَفْظِهَا كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَعَانِي الخَيْرِ وَالفَضِيلَةِ، وَتَكُونُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلِ الوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ المُحَرَّمَاتِ، وَمَنْدُوبَةً إِذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلِ المَنْدُوبَاتِ وَتَرْكِ المَكْرُوهَاتِ، وَيَتَأَكَّدُ هَذَا الحَقُّ وَيَلْزَمُ إِذَا طَلَبَهُ المُسْلِمُ مِنْ أَخِيهِ المُسْلِمُ، وَلَيْسَ كُلُ رجلُ يُسْتَنْصَحُ أَوْ يُسْتَشَارُ إِنَّمَا الَّذِي يُسْتَعَانُ بِرَأْيِهِ هُوَ العَاقِلُ المجرّب صاحبُ الدّينِ وَالتَّقْوَى لأَنَّ الدِّينَ عمادُ كلّ صلاحٍ.

ترويع المسلم

في مسند أحمد أنّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قال "لا يحلُّ لمسلمٍ أن يُرَوِّعَ مسلمًا" قاله لما روع بعضهم رجلا من أصحابه مزاحًا بأخذ نبلٍ منه وهو نائم.

تشميت العاطس

"إِذَا عَطِسَ أحدُكم فَحَمِدَ اللهَ فشمَّتْهُ" وَالتَّشْمِيتُ الدُّعَاءُ له بالخيرِ وَالبَرَكَةِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "إِذَا عطَسَ أحدُكم فليقُل الحمدُ للهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَو صاحِبُهُ يَرْحمُكَ اللهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحمكَ اللهُ فَلْيَقُل يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالكَم" وَإِذَ لَم يَقُل العَاطِسُ الحمدُ للهِ فَلا يُشَمِّتُ لما ثبتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلَيْنِ عَطَسَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمّت الآخرَ،فَقَالَ الرجلُ: يا رَسُولَ اللهِ،شَمَّتَّ هَذَا وَلم تُشَمِّتْنِي، قَالَ: "إِنَّ هَذَا حِمِدَ اللهَ وَلَمْ تَحْمَدِ اللهَ".

حق المسلم على المسلم

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ سِتٌّ"، قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
لَيْسَ الـمُرَادُ بِالحَدِيثِ حَصْرَ حُقُوقِ المُسْلِمِ فِي هَذِهِ الخِصَالِ إِنَّمَا الـمُرَادُ بَيَانُ أَهَمِّيَّةِ هَذِهِ الحُقُوقِ.

دعوة إلى وليمة

قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُم إِلى وَلِيمَةٍ فَلْيَأْتِهَا". قَال العُلَمَاءُ إِذَا كَانَتِ الوَليمَةُ وَلِيمَة عُرْسٍ فَالإِجَابَةُ وَاجِبَةٌ فَلا يَنْبَغي التَّخَلُّفُ عَنْهَا بدُونِ عُذْرٍ وَقَدْ نَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى أُمُورٍ وَجَعَلُوهَا أَعْذَاراً شَرْعِيَّةً تُبِيحُ لِلْمُسْلِمِ عَدَمَ الإِجَابَةِ، مِنْهَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ مِنْ خَمْرٍ أَوْ فِسْقٍ وَمُجُونٍ كَمَا هُوَ شَائِعٌ فِي عَصْرِنَا نَسْأَلُ اللهَ اللُّطْفَ وَالعَافِيَةَ.

صغائر الذنوب

روى أحمدُ والطبرانيُّ أنَّهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قال "إيّاكُم ومُحَقَّراتِ الذنوبِ فإنّما مَثَلُ مُحَقَّراتِ الذُنوبِ كمَثَلِ قومٍ نزَلوا بَطْنَ وادٍ فجاءَ ذا بِعودٍ وجاءَ ذا بعودٍ حتى حَمَلوا ما أنضجوا بهِ خُبزَهم وإنَّ مُحَقَّراتِ الذُنوبِ متى يُؤخذ بها صاحِبُها تُهلِكه" والمرادُ بالـمُحَقَّراتِ الصغائِرُ ودلَّ الحديثُ الشريفُ على أنَّ الصغائِرَ أسبابٌ تؤدي إلى ارتكابِ الكبائِرِ، فكم من صغيرةٍ يحقِرُها فاعلُها فيَفعَلُها فتَسوقُهُ إلى كبيرةٍ، وقدْ تسوقُهُ إلى الكُفْرِ، ولذا قالَ بعضُ السلفِ "المعاصي بريدُ الكفرِ كما أنَّ الحُمَّى بريدُ الموتِ" 2 . عافانا اللهُ تعالى من كُلِّ الشرِ.

------------------------------------------------
2-شُعَبُ الإيمانِ للبيهقي

عيادة المريض

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ منْ مَرِضَ مِنْ أصْحَابِهِ وَيَقُولُ لِلْمَرِيضِ: كيفَ تجدُكَ؟ وَيَدْعُو اللهَ لَهُ وَلأَ يُطِيلُ الجُلُوسَ عِنْدَهُ، فَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ هَذهِ الأُمُورِ عِنْدَ الزِّيَارَةِ ومن ءادبِ الزيارةِ أَنْ يَتَحَدَّثَ إِلَى المَرِيضِ بمَا يَشْرَحُ صَدْرَهُ وَإِذَا سَأَلَهُ عَن مرضِهِ قليهوِّنْ عَلَيه أمرَ هذا المرضِ وَأَنَّه قريبُ الزَّوالِ وأن الشفاء منهُ غَالبٌ أو عامّ وَلْيَجْتنِبْ كثرةَ الكَلاَمِ وَتَهْوِيلَ أَمْرِ المَرَضِ، ويَنْبَغِي أَنْ يَطْلَبَ الزَّائِرُ مِنَ المَرِيضِ الدعَاءَ لَهُ وَحَسْبُ الزَّائِرِ مِنَ الثَّوَابِ أَنَّ المَلاَئِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُ،وَأَنَّهُ فِي رَحْمَةِ اللهِ حَتَّى يَرْجِعَ كمَا وَرَد فِي الصَّحِيحِ.

في المزاح

قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ "إني لأمزحُ ولا أقول إلا حقًا" 3 فأخبر رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في حديثه هذا أنه يمزح ولكن لا يقول إلا حقا أي أنّ الرسولَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لا يكذب، كما نحذركم من قول بعض الناس "الكذب ملح الرجال"، وقول بعض "وعيب على اللي بيصدق" فإنهما من الكفر الصريح لأن الأول فيه استحسان لما هو معلوم بين المسلمين قبحه في الدين وفي الثاني استقباح لما هو معلوم حسنه في الدين فكلاهما يلزم منه تكذيب الدين والعياذ بالله تعالى.
فاحذروا من الكذب إخوة الإيمان وحذروا منه فإنه عادة خبيثة إن دلت على شىء فإنها تدل على خبث طبع صاحبها، فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين.
اللهم احفظنا من الكذب والحرام يا أرحم الراحمين.

------------------------------------------------
3-رواه الطَّبراِني في المعجم الكبير
قائمة قراءة في حديث