مقصد الساعي لمعرفة مناقب الأوزاعي

قال الله تعالى: أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّـهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ ﴿٦٢﴾ سورة يونس

مقصد الساعي لمعرفة مناقب الأوزاعي



عقيدة الإمام الأوزاعي

كان الإمام الأوزاعي يقول الحقّ ويدافع عن الإسلام ويتمسّك بالعقيدة الحقّة والسّنة المطهّرة في زمن ظهرت فيه الفتن والبدع، وأما عقيدة الإمام الأوزاعي فهي عقيدة كل الأمة الإسلامية سلفًا وخلفًا وهي المرجع الذي تعرض عليه عقائد الناس فمن كذّبها فلا يكون من المسلمين وهي ميزان الحقّ الذي يكشف زيف الباطل و زيغه فكان لا بدّ من هذا البيان المهمّ لخصوص الغرض وعموم النفع وعليه: نقول جازمين معتقدين صادقين مخلصين، بأنّا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد، الفرد الصّمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، الذي لم يتخذ صاحبةً وليس له والد ولا والدة، الأول القديم الذي لا يشبه مخلوقاته بوجهٍ من الوجوه، لا شبيه ولا نظير له، ولا وزير ولا مشير له، ولا معين ولا ءامر له، ولا ضد ولا مغالب ولا مُكره له، ولا ندَّ ولا مثل له، ولا صورة ولا أعضاء ولا جوارح ولا أدوات ولا أركان له، ولا كيفيّة ولا كمّية صغيرة ولا كبيرة له، فلا حجم له، ولا مقدار ولا مقياس ولا مساحة ولا مسافة له ، ولا امتداد ولا اتساع له، ولا جهة ولا حيّز له، ولا أين ولا مكان له، كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان بلا مكان.
تنزّه ربّي عن الجلوس والقعود والاستقرار والمحاذاة، الرّحمن على العرش استوى استواءً منزّهًا عن المماسة والاعوجاج، خلق العرش إظهارًا لقدرته ولم يتّخذه مكانًا لذاته، ومن اعتقد أنّ الله جالسٌ على العرش فهو كافر، الرّحمن على العرش استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر، فهو قاهرٌ للعرش متصرفٌ فيه كيف يشاء، تنزه وتقدس ربي عن الحركة والسّكون، وعن الاتصال والانفصال و القرب والبعد بالحسّ والمسافة، وعن التّحول والزوال والانتقال، جلّ ربي لا تحيط به الأوهام ولا الظنون ولا الأفهام، لا فكرة في الرب، لا إله إلا هو، تقدّس عن كل صفات المخلوقين وسمات المحدَثين، لا يَمَسُّ ولا يُمَسّ ولا يُحَسُّ ولا يُجسُّ، لا يعرف بالحواس ولا يقاس بالناس، نُوَحِّدُهُ ولا نُبَعِّضُهُ، ليس جسمًا ولا يتّصف بصفات الأجسام، فالمجسم كافر وإن صام وصلّى صورةً، فالله ليس شبحًا وليس شخصًا، وليس جوهرًا وليس عرَضًا، لا تَحِلُّ فيه الأعراض، ليس مؤلَّفًا ولا مركبًا، ليس بذي أبعاضٍ ولا أجزاءٍ، ليس ضوءًا وليس ظلامًا، ليس ماءً وليس غيمًا وليس هواءً وليس نارًا، وليس روحًا ولا له روح، لا اجتماع له ولا افتراق، لا تجري عليه الآفات ولا تأخُذه السِّناتُ، منزه عن الطول والعرض والعمق والسمك والتركيب والتأليف والألوان، لا يحلُّ فيه شىء، ولا ينحل منه شىء، ولا يحل هو في شىء، لأنه ليس كمثله شىء، فمن زعم أنّ الله في شىء أو من شىء أو على شىء فقد أشرك، إذ لو كان في شىء لكان محصورًا، ولو كان من شىء لكان مُحدَثًا أي مخلوقًا، ولو كان على شىء لكان محمولاً، وهو معكم بعلمه أينما كنتم لا تخفى عليه خافية، وهو أعلم بكم منكم، وليس كالهواء مخالطًا لكم.
وكلّم الله موسى تكليمًا، وكلامه كلام واحدٌ لا يتبعّض ولا يتعدّد ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً، ليس مُبتَدَأً ولا مُختَتَمًا، ولا يتخلّله انقطاع، أزليٌّ أبديٌّ ليس ككلام المخلوقين، فهو ليس بفم ولا لسان ولا شفاه ولا مخارج حروف ولا انسلال هواء ولا اصطكاك أجرام، هو صفةٌ من صفاته، وصفاته أزليّةٌ أبديّةٌ كذاته، وصفاته لا تتغيّر لأنّ التّغيّر أكبرُ علامات الحدوث، وحدوث الصّفة يستلزم حُدوث الذّات، والله منزّهٌ عن كّل ذلك، مهما تصوّرت ببالك فالله لا يشبه ذلك، فصونوا عقائدكم من التّمسّك بظاهر ما تشابه من الكتاب والسنَّة فإنّ ذلك من أصول الكفر،
[سورة النحل/الآية74]{فَلَا تَضرِبُوا لِلهِ الأمثَال}
[سورة النحل/ الآية 60]{وَلِلهِ المَثَلُ الأعلَى}
[سورة مريم/الآية65]{هَل تَعلَمُ لَهُ سَمِيًّا}
[سورة النّجم/الآية42]{وَأَنَّ إِلَى رَبِّك المُنتَهَى}
ومن زعم أنّ إلهنا محدودٌ فقد جهل الخالق المعبود، فالله تعالى ليس بقدر العرش ولا أوسع منه ولا أصغر، ولا تَصحُّ العبادة إلا بعد معرفة المعبود، وتعالى ربُّنا عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، ولا تحويه الجهات الستُّ كسائر المبتدعات، ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد خرج من الإسلام وكفر.
ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكلّ ما دخل في الوجود من الأجسام والأجرام والأعمال والحركات والسّكنات والنّوايا والخواطر وحياة وموت و صحّة ومرض ولذّة وألم وفرح و حزن وانزعاج وانبساط وحرارة وبرودة وليونة و خشونة وحلاوة ومرارة وإيمان وكفر وطاعة ومعصية وفوز وخسران وتوفيق وخذلان وتحرّكات وسكنات الإنس والجنّ والملائكة والبهائم وقطرات المياه والبحار والأنهار والآبار وأوراق الشجر وحبّات الرّمال والحصى في السّهول والجبال والقفاز فهو بخلق الله بتقديره وعلمه الأزليّ وأنّ الإنس والجنّ والملائكة والبهائم لا يخلقون شيئًا من أعمالهم وهم وأعمالهم خلق الله [سورة الصافات/الآية96]{وَاللهُ خَلَقَكُم وَمَا تَعمَلُونَ} ومن كذّب بالقدر فقد كفر.
ونشهد أنّ سيدنا ونبينا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا وغوثنا و وسيلتنا و معلمنا وهادينا و مرشدنا وشفيعنا محمدًا، عبده و رسوله، وصفيُّه وحبيبه وخليله، من أرسله الله رحمةً للعالمين، جاءنا بدين الإسلام ككل الأنبياء والمرسلين، هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه قمرًا وهاجًا وسراجًا منيرًا، فبلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حقّ جهاده حتى أتاه اليقين، فعلّم وأرشد ونصح وهدى إلى طريق الحقّ والجنة، صلى الله عليه وعلى كل رسول أرسَلَه، ورضي الله عن ساداتنا وأئمتنا وقدوتنا وملاذنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر العشرة المبشرين بالجنة الأتقياء البررة وعن أمهات المؤمنين زوجات النبي الطاهرات النقيات المبرّءات، وعن أهل البيت الأصفياء الأجلاء وعن سائر الأولياء وعباد الله الصالحين.

قائمة مقصد الساعي لمعرفة مناقب الأوزاعي