ففي هذا الحَدِيثِ جُمْلَةٌ مِنْ ءَادابِ الطَّعامِ يُعَلِّمُها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بنِ أَبي سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خُصوصًا وَلِأُمَّتِهِ عُمومًا، وَقَدْ كانَ عُمَرُ بنُ أَبي سَلَمَةَ صَبِيًّا صَغيرًا في حِجْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي في تَرْبِيَتِهِ وَتَحْتَ رِعايَتِهِ، وَكانَتْ يَدُ عُمَرَ تَطِيشُ في الصَّحْفةِ، يَعْنِي تَذْهَبُ يَـمِينًا وَشِـمَالًا يـُحَرِّكُها في جَوانِبِ إِناءِ الطَّعامِ لِيَلْتَقِطَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ أَوَّلِ الطَّعامِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: "بِسْمِ اللهِ".
وَأَنْ يَأْكُلَ بِيَمينِهِ، وَأَنْ يَأْكُلَ مِنَ الجانِبِ الَّذِي يَقْرُبُ مِنْهُ مِنَ الطَّعامِ.
وَيَقولُ عُمَرُ بنُ أبي سَلَمَةَ: "فَما زالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ"، يَعْنِي التَزَمْتُ بِـما أَمَرَ بِهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنا أَفْعَلُ ذَلِكَ في طَعامي مُنْذُ سَـمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفي هَذا حُسْنُ خُلُقِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْلِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزْجُرْ هَذَا الغُلامَ حِينَ جَعَلَتْ يَدُهُ تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، وَلَكِنْ عَلَّمَهُ بِرِفْقٍ، وَنادَاهُ بِرِفْقٍ.
فَيَنْبَغِي عَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يُؤَدِّبَ أَوْلَادَهُ عَلَى كَيْفِيَّةِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَعَلَى ما يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ في الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، كَما فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رَبيبِهِ.