كتاب الروائح الزكيّة في مولد خير البرية

فَصْلٌ في ذِكْرِ ما شَرَّفَ اللهُ بهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الآيَاتِ

شَرَّفَ اللهُ عزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ الـمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَاتٍ كَثيرَةٍ فَمِنْهَا ما يَدُلُّ عَلَى مَكَارِمِ أَخْلاقِهِ وَشَرَفِ حَالِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعالَى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾ [سُورَةَ القَلَمِ]. ﴿وَإِنَّكَ﴾ أَيْ يا مُحَمَّدُ ﴿لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ فَعَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَعَنْ أَبِيهَا قَالَتْ: "فإنَّ خُلُقَ نَبِـيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ القُرْءَانَ" أَيْ إِنَّكَ لَعَلَى الـخُلُقِ الَّذِي أَمَرَكَ اللهُ بِهِ في القُرْءَانِ. فَمَنْ أَرادَ أَنْ يَعْرِفَ خُلُقَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَقْرَأ القُرْءَانَ وَلْيَفْهَمْهُ، فَكُلُّ خَصْلَةِ خَيْـرٍ أَمَرَ اللهُ في القُرْءَانِ بِالتَّخَلُّقِ بِـهَا فَهِيَ مِنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْها ما أَبَانَ سُبْحانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عُلُوَّ شَرَفِ نَسَبِهِ وَعَظِيمَ قَدْرِهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾ [سُورَةَ التَّوْبَةِ].


وَمِنْهَا ما أَوْضَحَ سبُحْانَهُ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّبِيِّينَ وَذَلِكَ في قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)﴾ [سُورَةَ ءالِ عِمْرانَ].
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾ هُوَ عَلَى ظاهِرِهِ مِنْ أَخْذِ الـميثَاقِ عَلَى النَّبِيينَ، يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ أَخَذَ مِيثاقَ كُلِّ نَبيٍّ بَعَثَهُ مِنْ لَدُنْ ءادَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿لَمَآ ءاتَيْتُكُم مِن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ أَيْ لَـمَهْمَا ءاتى اللهُ أَحَدَهُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَة وَبَلَغَ أَيَّ مَبْلَغٍ ﴿ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ﴾ ثُمَّ جاءَهُ رَسُولٌ مِنْ بَعْدِهِ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالرَّسُولُ الَّذِي ءامُرُكُمْ بِالإِيمانِ بِهِ وَنُصْرَتِهِ مُوَافِقٌ لَكُمْ غَيْرُ مُخالِفٍ.