كتاب الروائح الزكيّة في مولد خير البرية

الخاتِـمَةُ فِي التَّحْذيرِ مِنْ بَعْضِ مَا أُلِّفَ فِي الـمَوْلِدِ

اعْلَمْ أَنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضْلُهُ ثَابِتٌ فِي القُرْءانِ والْأَحاديثِ الثَّابِتَةِ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي إِثْباتِ فَضْلِهِ إِلَى ذِكْرِ مَا فِيه كَذِبٌ وَغُلُوٌّ، فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وابْنُ حِبَّانَ1 عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُطْرُوني كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى، فَإِنَّـمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسولُهُ". مَعْنَاهُ لَا تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِيْ كَمَا رَفَعَتِ النَّصَارَى الـمَسيحَ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ، عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ نَبِيٌّ رَسولٌ خَلَقَهُ اللهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ لَيْسَ إِلـهًا، هُمْ قَالُوا ابْنُ اللهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ اللهُ، لَا يَجُوزُ أَنْ تَقولَ عَنِ الرَّسولِ شَيْئًا لَيْسَ مِنْ صِفاتِهِ: إِذَا قُلْنَا الرَّسولُ أَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ هَذَا التَّعْظيمُ الكامِلُ، أَمَّا أَوَّلُ خَلْقِ اللهِ فمَا فِيه تَعْظيمٌ.


وَمِنْ أَشْهَرِ هَذِهِ الكُتُبِ الـمَدْسوسَةِ الكِتابُ الـمُسَمَّى "مَوْلِدَ العَروسِ" وَفِيهِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ نُورِ وَجْهِهِ فَقَالَ لَـهَا كُونِي مُحَمَّدًا فَكَانَتْ مُحَمَّدًا، وَفِي هَذِهِ العِبارَةِ نِسْبَةُ الـجُزْئيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ الجُزْئِيَّةِ وَالِانْحِلَالِ، فَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّعَدُّدَ وَالكَثْرَةَ، وَلَا التَّجَزُّؤَ والِانْقِسامَ، واللهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ وَلَا يُشْبِهُهُ شَىْءٌ مِنْ خَلْقِهِ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)﴾ [سورَةَ الشُّورَى]. وَحُكْمُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا أَوْ غَيْرَهُ جُزْءٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى التَّكْفِيرُ قَطْعًا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءًا... (15)﴾ [سورَةَ الزُّخْرُفِ]. فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ أَصْلًا لِغَيْرِهِ تَنْحَلُّ مِنْهُ الأَشْياءُ وَتَتَوالَدُ بَلْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. وَجَاءَ فِي التَّفْسيرِ أَنَّ الكُفَّارَ الـمُشْرِكينَ عَبَدَةَ الأَوْثَانِ كَأولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ الرَّسولِ وَقَبْلَهُ، خَصَّصُوا اللهَ بِبَعْضِ عِبادِهِ أَوْ بِالْإِنَاثِ مِنْهُمْ حَيْثُ قَالُوا: "الـمَلائِكَةُ بَناتُ اللهِ" وَالعِيَاذُ بِاللهِ مِنْ هَذَا الكُفْرِ. وَالْيَهودُ قِسْمٌ مِنْهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ، يَهودُ خَيْبَرَ وَغَيْرُهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: "عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ". هَؤُلَاءِ وَالَّذِي يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ جِسْمٌ نُورَانيٌّ قَطَعَ قِطْعَةً مِنْ ذاتِهِ فَجَعَلَهَا مُحَمَّدًا" سَواءٌ. هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ سَواءٌ. هَؤُلَاءِ جَعَلُوا لِلَّهِ جُزْءًا وَأُولَئِكَ جَعَلُوا لِلَّهِ جُزْءًا.


1- أخرجه احمد في مسنده في مواضع (56 -55 ،47، 24، 23،/1)، وابن حبان في صحيحه انظر الإحسان (46/8).