عقيدة المسلم

"قال الله تعالى: فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴿١١﴾ سورة الشورى

عقيدة المسلم



القول في صفات الله تعالى وتنـزيهه

قَدِيمٌ بِلا ابتِدَاءٍ أي أزلي ومعناه الذي ليس لوجوده ابتداء لأنه لو كان حادثًا لافتقر إلى محدثٍ، وهذا معنى القديمِ إذا أُطلِقَ على اللهِ. دَائِمٌ بِلا انتِهَاءٍ هَذِهِ عِبارةٌ عن بقائهِ تعالى لِيُعْلَمَ أَنَّ دَوَامَهُ تَعَالَى لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِٱلزَّمَانِ، لا يَفْنَى وَلا يَبِيدُ أي باق لا يهلك، قَالَ بَعْضُ أهل العلم: "جَمَعُوا بَيْنَ ٱللَّفْظَيْنِ تَأْكِيْدًا لِدَوَامِ بَقَائِهِ تَعَالَى". وَلا يَكونُ إلا ما يُريدُ أي لا يَدخلُ في الوجودِ منَ الأعيانِ مهْمَا صَغُرَتْ والحركات والسكون والخواطر وغيرها مما سوى الله إلا بإرادتِهِ ومَشِيئتِهِ.
لا تَبلُغُهُ الأوهَامُ أي تَصَوُّرَاتُ ٱلْعِبَادِ، فَالإنسانُ وَهْمُهُ يَدُورُ حولَ مَا أَلِفَهُ مِنَ الشَّىءِ المحسُوسِ الَّذِي لَهُ حَدٌّ وشَكْلٌ ولَوْنٌ واللهُ تعالى ليسَ كذلكَ، وَلا تُدرِكُهُ الأَفهَامُ أي لا تُحِيطُ بهِ العُقُول لأن ذلك يقتضي الحدوث، فَحَقِيْقَةُ ٱللّهِ لا يَصِلُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مَهْمَا شَغَلَ فِكْرَهُ، وَلا يُشبِهُ الأَنَامَ أي الخلْق.
حيٌّ متصفٌ بالحياة التي هي أزلية أبدية لا يَمُوتُ أي لا يلحقه موت ولا فناء، قَيُّومٌ لا يَنَامُ أي لا يَزولُ، خَالِقٌ بِلا حَاجةٍ أي أَحْدَثَ العالم من غيرِ أنْ يَكُونَ لَهُ احتياجٌ إليهِ لجَلْبِ منفعةٍ لنفسِهِ أَوْ دَفْعِ مَضرَّةٍ عنْ نفسِهِ. رَازِقٌ بِلا مُؤنَةٍ فهو تَعَالى يُوصِلُ إلى العِبادِ أرْزَاقَهُم منْ غيرِ أنْ تَلْحَقَهُ كُلْفةٌ ومشقَّةٌ مُمِيتٌ يميتُ الأحياءَ مِنْ عبادِهِ بِلا مَخَافَةٍ أي لا لِخَوْفٍ منْ أنْ يلْحَقَهُ ضَرَرٌ، بَاعِثٌ يبعثُ الأموات بلا مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ.
مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا أي صفاته أزلية بأزلية الذات فلا يجوز أن تختلف الصفات عن الذات القديم الأزلي، كان في الأزل متصفًا بهذه الصفات قَبلَ خلقِهِ لِمخلوقاته، لَمْ يَزْدَدْ بِكَونِهِمْ أي بوجود المخلوقات شَيئًا من الكمال لـم يَكنْ قَبلَهُمْ أي قبل خلق المخلوقات مِنْ صِفَتِهِ، والمعنى أنه ما زاد في صفات الله بعد خلق الخلائق شىء لم يكن في صفاته قبل خلقهم بل صفاته أزلية. وَكَما كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لا يَزَالُ عَلَيْها أَبَدِيًّا.
لَيسَ بَعدَ خَلقِ الخَلقِ استَفَادَ اسمَ الخَالِقِ وَلا بإِحدَاثِهِ البرِيَّةَ استَفَادَ اسمَ البَارِئِ أي فعل الله أزلي ومفعوله حادث فهُوَ تباركَ وتعالى خَالِقٌ قبلَ حُدُوثِ الخلْقِ وبارِئٌ قبلَ حُدوثِ البريةِ لَهُ مَعنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلا مَربُوبَ وَمَعنَى الخَالِقِ وَلا مَخلُوقَ أي أنَّ اللهَ تعالى كانَ مُتَّصِفًا بالخالقيّةِ والرُّبُوبِيَّةِ قبلَ وجودِ المخلوقينَ والمرْبُوبِينَ، هذا تأكيد لِما ذُكر أولاً، فإنه تعالى "خالقٌ" و"ربٌ" قبل وجود المخلوق والمربوب. وَكَمَا أَنَّهُ مُحيِي المَوتَى بَعدَمَا أَحيَا استَحَقَّ هذا الاسمَ قَبلَ إحيائِهِم أي أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى كانَ متَّصِفًا بالإحياءِ قبلَ حدوثِ الخلقِ ثم أَجرَى عليهِمُ الحياةَ التي هي حادثةٌ، كَذَلِكَ استَحَقَّ اسمَ الخَالِقِ قَبلَ إِنشَائِهِم أيْ أنه مستحقٌّ للاتِّصافِ بمعنى الخالقِ قبلَ إنشاءِ الخلقِ.
ذَلِكَ أي إشارةٌ إلى جميعِ ما تقَدَّمَ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ صفاتِه مثلَ الإحياءِ والإماتةِ وغيرِها بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ أيْ في كلِّ ما يقبلُ الدخولَ في الوجودِ، وَكُلُّ شَىءٍ سوى الله إلَيهِ فَقِيرٌ أي محتاج إليه في أصل وجوده وكذلك فيما بعده، وَكُلُّ أَمرٍ عَلَيهِ يَسِيرٌ يحدثه بمشيئته وقدرته من غير تعب.
لا يَحتَاجُ إلى شَىءٍ من خلقه لأن الحاجة نقص والنقص على الله محال لَيسَ كَمِثلِهِ شَىءٌ فقد نفى المماثلة عن الله من جميع الوجوه والمماثلة من وجه واحد وهذا تنـزيه، ففي هذه الجملة نفي ما لا يليق بالله عن الله، أما وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ففيه إثباتُ ما يليقُ باللهِ تبارك وتعالى، السمعُ صفةٌ لائقةٌ والبصرُ كذلكَ، بعدَ أَن ذكر أنه لا يُشبهُ شيئًا ذكرَ أنهُ سَميعٌ وأنه بصير حتى لا يُتوهمَ أن سَمعَهُ كسمعِ غيرِه وبصرَه كبصرِ غيرِه، فمن اعتقدَ أنَّ اللهَ جسمٌ كثيفٌ أو لطيفٌ لم يعرِف الله فهو جاهلٌ بخالقِه.
خَلَقَ الخَلقَ بِعِلْمِهِ أي أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى خلَقَ الخلْقَ على حسَبِ عِلْمِه الأزليِّ وتقديرِه الأزليِّ وَقَدَّرَ لَهُم أَقدَارًا أي وقَدَّرَ سبحانَه مقاديرَ الخلقِ منَ الخيرِ والشَّرِّ والطَّاعةِ والمعصيةِ والرِّزقِ والسَّعادةِ والشَّقاوةِ ونحوِ ذلكَ وضَرَبَ لَهُم ءاجالا أي وقدَّرَ ءاجالَ الخلائقِ، فإن الأجل المضروب لكل واحد منهم مبرم لا يحتمل التقدم والتأخر.
ولَم يَخفَ عَلَيهِ شَىءٌ من أفعالهم وغيرها مما حَدثَ ومما يحدُثُ إلى ما لا نهايةَ لهُ قَبْلَ أَن يَخْلُقَهُم، وَعَلِمَ مَا هُم عَامِلُونَ قَبلَ أَنْ يَخلُقَهُم أي أن الله تعالى عالم قبل أن يخلق الخلق ماهم عاملون بعد خلقهم بعِلمِه الأزليِّ الذي هو عِلْمٌ واحدٌ شاملٌ يتعلقُ بسائرِ المُمْكِناتِ العقليةِ وبالواجبِ العقليِّ وبالمستحيلِ العقليِّ. وَأَمَرَهُم أيِ اللهُ تعالى أمرَ العبادَ بِطَاعَتِهِ وَنَهَاهُم عَن مَعصِيَتِهِ تحقيقًا لمعنى الابتلاءِ لأن أوامر الله تعالى ونواهيَه لابتلاء العباد واختبارهم ليظهر لنا المطيع من العاصي على حسب ما سبق به علمه ويتحقق منهم ما خلقوا له من الطاعة والعبادة.
وَكُلُّ شَىءٍ أي من الكائنات يَجرِي أي يوجد بِتَقدِيرِهِ وَمَشِيئَتِهِ أي على حسب تقدير الله ومشيئته، والمشيئة هي تخصيصُ الْمُمْكِنِ العقليِّ ببعضِ ما يجوزُ عليهِ دونَ بعضٍ، وَمَشِيئَتُهُ تَنفُذُ أي لا يعجزه شىء ولا تأخر لمراده، لأن في نفاذ مشيئةِ غير اللهِ وعدمِ نفاذ مشيئتِه أمارة عجزه حيثُ جرى في ملكه ما لم يشأ وهو على الله محال لا مشيئةَ للعبادِ في أنفسهم وأفعالهم إلا ما شَاء لَهُم أي إلا أنْ يشاءَ دخولَها في الوجودِ، لأنَّ مشيئةَ العبادِ منْ جملةِ الحادثاتِ، فَمَا شَاء لَهُم كَانَ وَمَا لَم يَشَأ لَمْ يَكُن أي أن يشاء العباد شيئا لم يشأ الله تعالى في الأزل حدوثه لا يكون بل هو مستحيل، يَهدي مَن يَشَاءُ أي أنَّ اللهَ يخلقُ الاهتداءَ فيمَنْ يشاءُ مِنْ عبادِه إلى طاعته وَيَعصِمُ أَيْ يَحْفَظُهُ وَيَمْنَعُهُ عَنْ مَعَاصِيْهِ ويُعَافي أَيْ يُعَافِيْهِ فِي نَفْسِهِ وَدِيْنِهِ فَضلاً منه تعالى لا لأنه ملزم بذلك، وَيُضِلُّ مَن يشاءُ وَيَخذُلُ أَيْ يَتْرُكُ عَوْنَهُ وَنُصْرَتَهُ وحفظَهُ وَيَبتَلي أي عَبْدَهُ فِي نَفْسِهِ وَدِيْنِهِ عدلاً من الله لاَ ظُلْمًا وَجَوْرًا وَكُلُّهُمْ يَتقلَّبونَ في مَشِيئتِهِ أي أنَّ العبادَ يَتصرفونَ بمشيئةِ اللهِ تباركَ وتعالى بَينَ فَضلِهِ وَعَدلِهِ أي فإنْ تَصرَّفُوا بالخيرِ فبفضلِ اللهِ تعالى، وإنْ تَصرَّفُوا في المعاصي والشرورِ فبعدلِ اللهِ تباركَ وتعالى.
وَهُوَ أي اللهُ تباركَ وتعالى مُتَعَالٍ مُنَزَّهٌ عنِ الأَضدادِ أي النظراء فالله لا نظير له فلا يكون له أضداد يتصرفون على خلاف إرادته، وَالأندادِ أي الأمثالِ لأنَّ كلَّ شىءٍ مِلكُه وكلَّ شىءٍ تحت تصرفه ومشيئته.
لا رَادَّ لِقَضَائِهِ أيْ لا أحدَ يردُّ قضاءَ اللهِ تباركَ وتعالى، وَلا مُعَقِّبَ لِحُكمِهِ أيْ لا أحدَ يجعلُ حكمَه باطلاً، وَلا غَالِبَ لأمرِهِ أي لا يَغلِبُ أمرَ اللهِ غالبٌ، ءامَنَّا بِذَلِكَ كُلِّهِ أي صدَّقنا تَصْدِيقًا جَازِمًا وَأَيقَنَّا إِيْمَانًا لا تَرَدُّدَ فِيهِ أَنَّ كُلا مِنْ عِندِهِ أي كل من عند الله فكلَّ شىءٍ دخلَ في الوجودِ فإنما حصلَ بعلمِ اللهِ الأزليِّ وتقديرِه وقضائِه.

عقيدة المسلم

عقيدة المسلم