قراءة في ءاية من القرءان الكريم

قال الله تعالى في كتابه العزيز: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾ ﴿سورة العلق﴾

قراءة في ءاية من القرءان الكريم

بسم الله الرّحمن الرّحيم
﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾
سورة يس الآية 82

الحمدُ لله رَبِّ العالمين لهُ النّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن صَلَوَاتُ اللهِ البَرِّ الرَّحيم والملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ عَلَى سَيِدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الـمُرسَلِين وحَبِيبِ رَبِّ العَالمين وعلى جميعِ إخوانِهِ مِنَ النَّبِيينَ والـمُرسَلِين وَءَالِ كُلٍ والصَّالِحين وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين

مَعنى قول الله تعالى: 🔻*﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾*🔻
يقولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى *﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾* {82}﴾[سورة البقرة]
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُخْبِرُنَا بِأَنَّهُ يُوجِدُ الأشْيَاءَ بِدُونِ تَعَبٍ وَمَشَقَّة وَبِدُونِ مُمَانَعَةِ أَحَدٍ لَه، أَيْ أَنَّهُ يَخْلُقُ الأشْيَاءَ التى شَاءَ أَنْ يَخْلُقَهَا بِسُرْعَة بِلا تَأَخُّرٍ عَنِ الوَقْتِ الَّذِي شَاءَ وُجُودَهَا فِيه.
فَمَعْنَى ﴿*كُنْ فَيَكُونُ*﴾ يَدُلُّ عَلَى سُرْعَةِ الإيجَاد، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كُلَّمَا أَرَادَ اللهُ خَلَقَ شَىءٍ يَقولُ كُنْ كُنْ كُنْ وَإِلَّا لَكَانَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللهَ كُلَّ وَقْتٍ يَقُولُ كُنْ كُنْ كُنْ وَهَذَا مُحَالٌ لأنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَخْلُقُ فِي الَّلحظَةِ الوَاحِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُ تُحْتَ الحَصْر.
ثُمَّ ﴿*كُنْ*﴾ لُغَةٌ عَرَبِيَّة وَاللهُ تَعَالَى كَانَ قَبْلَ اللُّغَاتِ كُلِهَا وَقَبْلَ أَصْنَافِ الـمَخْلُوقَات فَعَلَى قَوْلِ الـمُشَبّهَةِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللهُ سَاكِتًا قَبْلُ ثُمَّ صَارَ مُتَكَلِمًا وَهَذَا مُحَالٌّ لأَنَّ هَذَا شَأْنُ البَشَرِ وَغيْرِهِم، وَقَدْ قَالَ أهْلُ السُّنَّةِ "لَوْ كَانَ يَجُوزُ عَلَى اللهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالحَرْفِ وَالصَّوْت لَجَازَ عَلَيْهِ كُلُّ الأَعْرَاضِ مِنَ الحَرَكَةِ والسُّكُونِ والبُرُودَةِ واليُبُوسَة وَالألْوَانِ وَالرَّوَائِحِ والطُّعُومِ وَغَيْرِ ذَلِك وَهَذَا مُحَال".
وَاللهُ تَعَالَى خَلَقَ بَعْضَ العَالَمِ مُتَحَرِّكًا دَائِمًا كَالنُّجُوم وَخَلَقَ بَعْضَ العَالَمِ سَاكِنًا دَائِمًا كَالسَّمَاوَات وَخَلَقَ بَعْضَ العَالَمِ مُتَحَرِكًا فِي وَقْتٍ وَسَاكِنًا فِي وَقْتٍ وَهُمُ الإِنْسُ وَالجِنُّ وَالـمَلائِكَةُ وَالرِيَاحُ وَالنُّورُ وَالظَّلامُ وَالظِلال. وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يُشْبِهُ شيْئًا من هذِهِ العَوَالِمِ كُلِهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ "إنَّ اللهَ يَخْلُقُ الخَلَقَ بِكُنْ أَيْ بِالحُكْمِ الأَزَلِيّ بِوُجُودِه". فَالآيَةُ عِنْدَهُم عِبَارَةٌ عَنْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَخْلُقُ العَالَمَ بِحُكْمِهِ الأَزَلِيّ. والحُكْمُ كَلامٌ أَزَليٌّ في حَقِ الله لَيْسَ كَلَامًا مُرَكَّبًا مِنْ حُرُوفٍ وَلَا صَوْتٍ.
وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إليه بعضهم مِنْ أَنَّ اللهَ يَنْطِقُ بِالكَافِ والنَّون عِنْدَ خَلْقِ كُلِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الـمَخْلُوقَات فَهُوَ سَفَهٌ لا يَقُولُ بِهِ عَاقِلٌ لِأَنَّهُم قَالُوا قَبْلَ إِيجَادِ الـمَخْلُوقِ يَنْطِقُ اللهُ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ الـمُرَكَّبَةِ من كَافٍ وَنُونٍ فَيَكُونُ خِطَابًا لِلْمَعْدُوم، وَإِنْ قَالُوا إِنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ إِيجَادِ الشىءِ فَلَا مَعْنَى لِإيجَادِ الـمُوْجُود.
وَأَمَّا التَفْسِيرَانِ اللَّذَانِ ذَهَبَ إِلَيْهِمَا أَهْلُ السُّنَّةِ فَإِنَّهُمَا مُوَافِقَانِ لِلْعَقْلِ وَالنَّقْل، ثُمَّ إِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ الـمُجَسِّمَةِ بَشَاعَةٌ كَبِيرة وَهِيَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَتَفَرَّغُ مِنَ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ كُنْ وَلَيْسَ لَهُ فِعْلٌ إِلَّا ذَلِك لِأَنَّهُ فِي كُلِ لَحْظَةٍ يَخْلُقُ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الحَصر، فَكَيْفَ يَصِحُّ فِي العَقْلِ أَنْ يُخَاطِبَ اللهُ كُلَّ فَرْدٍ مِن أَفْرَادِ الـمَخْلُوقَات بِهَذَا الحَرْفِ؟ كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَنْطِقَ اللهُ تَعَالَى بِالكَافِ والنُّون بِعَدَدِ كُلِ مَخْلُوقٍ يَخْلُقُه؟ فَإِنَّ هَذَا ظَاهِرُ الفَسَاد لأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْه أَنْ يَكُونَ اللهُ لَيْسَ لَهُ كَلَامٌ إِلَّا الكَافُ والنُّون. فَمَا أَبْشَعَ هَذَا الاعتِقَاد الـمُؤدِي إِلَى هَذِهِ البَشَاعَة.
فَالتَّفْسِيرَانِ الأوَّلان أَحَدُهُمَا وَهُوَ الأَوَّل قَالَ بِهِ الإمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الـمَاتُرِيدِيّ وَالثَّانِي قَالَ بِهِ الأَشَاعِرَةُ كَالبَيْهَقِيّ.
وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين.

قائمة قراءة في ءاية من القرءان الكريم

قراءة في ءاية