الأفضل لك

قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ سورة البقرة

الأفضل لك

الأفضل لك أن تقول لا أدري حين لا تدري

الْأفْضَلُ لَكَ أَنْ تَقُولَ لَا أَدْرِي حِينَ لَا تَدْرِي

قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)﴾ [سورة الإسراء] مَعَنَاهُ لَا تَقُلْ قَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ أَيْ لَا تَقُلْ هَذَا حَلَالٌ هَذَا حَرَامٌ هَذَا وَاجِبٌ هَذَا سُنَّةٌ بِدُونِ عِلْمٍ، فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَعَاصِي اللِّسَانِ الْفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ وَهِيَ مِنَ الْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ سَواءٌ أَصَابَ الْمُفْتِي بِهَا الْوَاقِعَ أَمْ لَا.

وَقَدْ صَحَّ وَثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّه سُئِلَ مَرَّةً عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَقَالَ: "لَا أَدْرِي أَسْأَلُ أَخِي جِبْرِيلَ" ثُمَّ سَأَلَ جِبْرِيلَ فَقَالَ جِبْرِيلُ أيْضًا: "لَا أَدْرِي أَسْأَلُ رَبَّ العِزَّةِ" فَسَأَلَ اللهَ تَعَالَى فَعَلَّمَهُ جَوَابَ ذَلِكَ السُّؤَالِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ فَأَجَابَهُ بِـمَا عَلَمَّهُ رَبُّهُ، وَهَذَا السُّؤَالُ كَانَ عَنْ خَيْرِ الْبِقَاعِ وَشَرِّ الْبِقَاعِ، وَفِي لَفْظٍ عَنْ خَيْرِ الْبِلَادِ وَشَرِّهَا. فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "خَيْرُ الْبِلَادِ الْمَسَاجِدُ" وَفِي لَفْظٍ: "خَيْرُ الْبِقاَعِ الْمَسَاجِدُ وَشَرُّ الْبِقَاعِ الْأَسْوَاقُ".
وَلَمْ يَسْتَحِ أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا سُئِلَ فِيمَا لَا يَدْرِي أَنْ يَقُولَهَا فَقَدْ سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِ ءايَةٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: "أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أرْضٍ تُقِلُّنِي إِنْ قُلْتُ فِي كِتَابِ اللهِ مَا لَا أَعْلَمُ" رَوَاهُ الْعَسْقَلَانِيُّ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: "مَنْ أَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ لَعَنَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَالْأرْضِ". لِذَا يَنْبَغِي عَلَى الشَّخْصِ أَنْ لَا يُغْفِلَ كَلِمَةَ لَا أَدْرِي، فَقَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّه سُئِلَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ سُؤَالًا فَأَجَابَ عَنْ سِتَّةٍ وَقَالَ عَنِ البَقِيَّةِ: لَا أَدْرِي، رَوَى ذَلِكَ صَاحِبُهُ هَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ.
فَمَنْ أَرَادَ السَّلَامَةَ فَلْيَقُلْ عَمَّا لَا يَعْلَمُ لَا أَعْلَمُ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَيْبًا وَلَا نَقْصًا حَتَّى فِي حَقِّ الْعَالِـمِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنا عَلِيٍّ أَنَّه سُئِلَ عَنْ شَىءٍ فَقَالَ: " وَابَرْدَهَا عَلَى الْكَبِدِ أَنْ أُسْأَلَ عَنْ شَىْءٍ لَا عِلْمَ لِي بِهِ فَأَقُولَ لَا أَدْرِي" رَوَاهُ الْحَافِظُ العَسْقَلَانِيُّ فِي تَخْرِيجِهِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ.
وَمِـمَّا يَدُلُّ أيْضًا عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)﴾ [سورة النحل].
اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا وَزِدْنَا عِلْمًا، وءَاخِرُ دَعْوَانَا أنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.