الأفضل لك

قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ سورة البقرة

الأفضل لك

الأفضل لك أن تكون كيسًا

الْأفْضَلُ لَكَ أَنْ تَكُونَ كَيِّسًا

كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لَا بُدَّ أَنْ يَرْحَلَ عَنْ هَذِهِ الدُّنْيَا، الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ والظَّالِـمُ وَالْمَظْلُومُ، فِي الدُّنْيا قَدْ تُؤَجِّلُ مَوْعِدَ سَفَرٍ أَوْ رِحْلَةٍ أَوْ امْتِحَانٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، أَمَّا الْمَوْتُ فَلَا إلْغَاءَ فِيهِ وَلَا تَأْجِيلَ. قَالَ تَعَالَى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيا إلّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [سورة ءال عمران/185].

فِي الْآيَةِ الْكَرِيـمَةِ إِخْبَارُهُ تَعَالَى وَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ أَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ، فَالْيَقِينُ بِذَلِكَ وَالْإكْثَارُ مِنْ ذِكْرِهِ دَأْبُ الْأَكْيَاسِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَـحْمِلُهُم عَلَى الْاِسْتِعْدَادِ لَهُ وَعَدَمِ الْاِغْتِرَارِ بِالدُّنْيَا، والتَّخَلُّصِ مِنَ الذُّنُوبِ والسَّيِّئَاتِ، فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه أَنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتِ".
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَديثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أفْضَلُ؟ قَالَ: "أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا"، قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: "أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَه اِسْتِعْدَادًا، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ". فَالْإِنْسَانُ الَّذِي دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ هُوَ الذَّكِيُّ الْفَطِنُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِـمَّا يُعِينُكَ عَلَى ذِكْرِ الْمَوْتِ أَنْ تَذْكُرَ مَنْ مَضَى مِنْ أَقَاربِكَ وَإِخْوَانِكَ وَأَصْحَابِكَ وَأَتْرَابِكَ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَكَ، كَانُوا يَسْعَوْنَ سَعْيَكَ، وَيَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيا عَمَلَكَ، فأَصَابَـهُمُ الْمَوْتُ فَفُجِعَ أَحْبَابُهُمْ، فَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْهُمْ، وَلَا تَغْفُلْ عَنْ زَادِ مَعَادِكَ وَلَا تُهْمِلْ نَفْسَكَ سُدًى. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [سورة ءال عمران/185] أيْ تُوَفَّوْنَ جَزَاءَ أَعْمَالِكُمْ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، فَفِي الْآيَةِ تَسْلِيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يُصِيبُهُمْ فِي الدُّنْيا، وَمَا يَصْبِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ، وَمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، والصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى، وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْوَفَاءَ الْأَعْظَمَ إِنَّمَا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
فَهَذَا الْمُسْلِمُ الَّذِي فَعَلَ مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ هُوَ الَّذِي يُزَحْزَحُ أَيْ يُبْعَدُ عَنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَيُدْخَلُ الـجَنَّةَ وَهُوَ الَّذِي يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)﴾ [سورة الكهف]. اللَّهُمَّ إنّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.