الأفضل لك

قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ سورة البقرة

الأفضل لك

الأفضل لك أن تخشع في صلاتك

الأفضل لك أن تخشع في صلاتك

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ*﴾ [سُورَةَ الْمُؤْمِنُونَ/1-2] وَالْـخُشُوعُ هُوَ اسْتِشْعَارُ الْـخَوْفِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتِشْعَارُ مَحَبَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ، الْـخُشُوعُ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بِأَسْبَابٍ مِنْهَا:

الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ، الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتِ» أَيْ قَاطِعِ اللَّذّاتِ. لِيَقُلِ الْمُصَلِّي فِي نَفْسِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ: «لَعَلَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ ءَاخِرُ صَلَاتِي» أَيْ لَعَلِّي لَا أَعِيشُ بَعْدَهَا فَيَصِيرُ فِي قَلْبِهِ خَوْفٌ مِنَ اللهِ.
فَاخْشَعْ للهِ عِنْدَ قَولِكَ «اللهُ أَكْبَرُ»، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرٍ قَدْرًا وَعَظَمَةً لَا حَجْمًا لِأَنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَجْمِ، فَاخْشَعْ للهِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَتَفَكَّرْ فِي مَعَانِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْقُرْءَانِيَّةِ الْعَظِيمَةِ. تَفَكَّرْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ*﴾ [سُورَةَ الْفَاتِحَةِ]. تَفَكَّرْ فِي قَوْلِكَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» أَيْ أُنَزِّهُ رَبِّيَ الْأَعْلَى أَيِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى مِنْ كُلِّ عَلِيٍّ أَيْ عُلُوَّ قَدْرٍ لَا عُلُوَّ حَيِّزٍ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي عُلُوِّ الْقَدْرِ لَيْسَ فِي عُلُوِّ الْـحَيِّزِ وَالْمَكَانِ، وَاللهُ لَا يَشْغَلُ فَرَاغًا وَلَا يَمْلَأُ مَكَانًا. اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ مَالِكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنَّمَا أَفْهَمَنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ عُظْمَ ذلِكَ الْيَوْمِ.
فَاحْرِصْ أَنْ لَا تَكُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إِذَا دَخَلُوا فِي الصَّلَاةِ يَشْغَلُهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ الدُّنْيَوِيَّةُ عَنِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَنْشَغِلْ بِـمُشْكِلَاتِ الدُّنْيَا وَالْـهُمُومِ أَثْنَاءَ صَلَاتِكَ وَلَا بِالْـجَاهِ وَلَا بِالصِّيتِ وَلَا بِالسُّمْعَةِ، وَاتْرُكْ أُمُورَ بَيْتِكَ وَسَيَّارَتِكَ وَتِجَارَتِكَ وَثِيَابِكَ. وَاخْشَعْ فِي صَلَاتِكَ أَثْنَاءَ رُكُوعِكَ وَأَثْنَاءَ سُجُودِكَ وَأَثْنَاءَ قِيَامِكَ.
اخْشَعْ للهِ فِي صَلَاتِكَ وَتَذَكَّرِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَامَ يَوْمًا لِلصَّلَاةِ فَبَكَى وَرَكَعَ وَبَكَى وَسَجَدَ وَبَكَى، حَتَّى ابْتَلَّ التُّرَابُ الَّذِي بِـمُحَاذَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَتَذَكَّرْ عَلِيَّ بْنَ الْـحُسَيْنِ الَّذِي لُقِّبَ بِالسَّجَّادِ لِكَثْرَةِ سُجُودِهِ، الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ أَلْفَيْ رَكْعَةٍ مِنَ السُّنَنِ، وَاشْتَعَلَتِ النَّارُ يَوْمًا فِي بَيْتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَصَارُوا يُنَادُونَهُ «يَا عَلِيُّ النَّارَ النَّارَ» فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ لَهُمْ: شُغِلْتُ عَنْ نَارِكُمْ بِنَارِ الْآخِرَةِ.
إِنَّ مِنَ الْـحِجَارَةِ لَمَا يَشَّقَّقُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ فَكَيْفَ قُلُوبُ أَهْلِ التَّقْوَى؟ إِذَا كَانَتِ الْـخَشَبَةُ حَنَّتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الْـحَسَنُ الْبِصْرِيُّ يَقُولُ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ الْـخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ شَوْقًا إِلَيْهِ أَفَلَيْسَ الرِّجَالُ الَّذِينَ يَرْجُونَ لِقَاءَهُ أَحَقَّ أَنْ يَشْتَاقُوا إِلَيْهِ؟» وَالْـحِجَارَةُ تَخْشَعُ للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْمُتَوَاضِعِينَ الْـخَاشِعِينَ الَّذِينَ لَا خَوفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.