الأفضل لك

قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ سورة البقرة

الأفضل لك

الأفضل لك أن تكون بارًّا بِوالديك

الْأفْضَلُ لَكَ أَنْ تَكُونَ بَارًّا بوَالِدَيْكَ

لَقَدْ حَثَّ الْإِسْلَامُ عَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ لِمَا لَـهُمَا مِنْ فَضْلٍ وَحُقُوقٍ عَلَى الْأَبْنَاءِ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ فِي مُـحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [سورة الإسراء/23].

لَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ في كِتَابِهِ الْعَزِيزِ أَمْرًا مَقْطُوعًا بِهِ بِأَنْ لَا يَعْبُدُوا إلّا إيَّاهُ وَأَمَرَ بِالْإحْسَانِ لِلْوَالِدَيْنِ، وَيَكُونُ الْإحْسَانُ إِلَيهِمَا بِبِرِّهِـمَا وَإكْرَامِهِمَا حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: "لَا تَنْفُضْ ثَوْبَكَ فَيُصِيبَهُمَا الْغُبَارُ".
وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ قَالَ: قُلْتُ يا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أُمُّكَ" قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّكَ" قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّكَ" قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أَبَاكَ ثُمَّ الْأقْرَبُ فَالْأقْرَبُ" اﻫ أَخْرَجَهُ أَبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
فَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْحَديثِ تَقْديمُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ في الْبِرِّ، وَإِنَّـمَا خَصَّ الشَّرْعُ الْأُمَّ بِهَذَا لِعَنَائِهَا وَشَفَقَتِهَا مَعَ مَا تُقَاسِيهِ مِنْ حَمْلٍ وَطَلْقٍ وَوِلَادَةٍ وَرَضَاعَةٍ وَسَهَرِ لَيْلٍ. وَقَدْ رَأَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا رَجُلًا يَحْمِلُ أُمَّهُ عَلَى ظَهْرِهِ وَهُوَ يَطُوفُ بِهَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: "يا ابْنَ عُمَرَ أَتَرَانِي وَفَّيْتُهَا حَقَّهَا؟ قَالَ: "وَلَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ طَلَقَاتِها وَلَكِنْ قَدْ أَحْسَنْتَ وَاللهُ يُثِيبُكَ عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيرًا".
وَمِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ زِيارَتُهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا وَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى بِأَنْ نَسْأَلَ لَهُمُ الرَّحْمَةَ إِذْ قَالَ: ﴿وَقُلْ رَبِّ اِرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيانِى صَغِيرًا﴾ [سورة الإسراء/24] أَيْ مِثْلَ رَحْمَتِهِمَا إيَّايَ في صِغَرِي حَتَّى رَبَّيَانِي. فَقَدْ أَوْصَانَا رَبُّ العِزَّةِ أَنْ لَا نَكْتَفِي بِرَحْمَتِنَا نَحْنُ لِوَالِدَيْنَا الرَّحْمَةَ الَّتِي لَا بَقَاءَ لَهَا بَلْ أَنْ نَدْعُوَ اللهَ تَعَالَى الرَّحِيمَ الْكَرِيمَ بِأَنْ يَرْحَمَهُمَا الرَّحْمَةَ الْبَاقِيَةَ وَأَنْ يَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ جَزَاءً لِرَحْمَتِهِمَا عَلَينَا في صِغَرِنَا وَتَرْبِيَتِهِمَا لَنَا.
فَبَعْدَ مَا ذُكِرَ مِنْ فَضْلِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ أَيُّ عَاقِلٍ يَعْدِلُ عَنْ بِرِّهِمْ إِلَى عُقُوقِهِمْ؟!! فَإِنْ وَجَدْتَ مِنْ نَفْسِكَ خَيْرًا وَحِرْصًا عَلَى أَنْ تَبَرَّ وَالِدَيْكَ وَتُطِيعَهُمَا مَرْضَاةً للهِ تَعَالَى فاحْمَدِ اللهَ وَاثَبُتْ عَلَى ذَلِكَ وازْدَدْ مِنْهُ، وَإِنْ وَجَدْتَ غَيْرَ ذَلِكَ فاتَّقِ اللهَ وَأَصْلِحْ مِنْ حَالِكَ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ وَقَبْلَ أَنْ تَنْدَمَ عِنْدَمَا لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ. اللَّهُمَّ حَسِّنْ أَحْوَالَنَا وَاخْتِمْ بالصَّالِـحَاتِ أَعْمَالَنَا وَاجْعَلْنَا مِنَ الفَائِزِينَ الْغانِـمِينَ في الْآخِرَةِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.