الأفضل لك

قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ سورة البقرة

الأفضل لك

الأفضل لك أن تحبّ الخير للغير

الْأفْضَلُ لَكَ أَنْ تَعْمَلَ بوَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ لِمُعَاذٍ

لَقَدْ حَظِيَ الصَّحَابيُّ الْجَلِيلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِفَضْلٍ كَبِيرٍ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْـحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَنَّه ذَاتَ يَوْمٍ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَخَذَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ" فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ وَأَنَا أُحِبُّكَ، قَالَ لَهُ النَّبيُّ: "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ".

ولَمَّا كَانَ الْـحُبُّ فِي اللهِ مَبْنِيًّا عَلَى التَّقْوَى وَالطَّاعَةِ، أَوْصَى رَسُولُ اللهِ حَبِيبَهُ مُعَاذًا بوَصِيَّةٍ وَأَمَرَهُ بِالثَّبَاتِ عَلَيهَا، وَلِهَذَا قَالَ ﷺ: "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ" وَمَعَنَاهُ إِذَا أَرَدْتَ ثَبَاتَ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ فَلَا تَتْـرُكَنَّ هَذَا الذِّكْرَ دُبُرَ أَيْ عَقِبَ وَخَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ. فَقَوْلُهُ: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ" فِيهِ الطَّلَبُ مِنَ اللهِ الْعَوْنَ عَلَى الْقِيَامِ بِذِكْرِهِ، والذِّكْرُ يَشْمَلُ القُرْءَانَ، وَهُوَ أفْضَلُ الذِّكْرِ، وَيَشْمَلُ كُلَّ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ مِنَ التَّهْلِيلِ والتَّسْبِيحِ وَالْاِسْتِغْفَارِ والصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ والدُّعَاءِ.
"وَشُكْرِكَ" أَيْ شُكْرِ نِعْمَتِكَ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ إِحْصَاؤُهَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [سورة النحل/18]. لَكِنْ كَيْفَ يَكُونُ الشُّكْرُ للهِ تَعَالَى؟ هَلْ يَكُونُ الشُّكْرُ بِـمُجَرَّدِ أَنْ تَقُولَ باللِّسَانِ الْـحَمْدُ لَكَ يَا رَبُّ؟ الْـحَمْدُ لَكَ يا اللهُ؟ بَلِ الشُّكْرُ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي أَسْبَغَ اللهُ بِهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا كَنِعْمَةِ اللِّسَانِ وَنِعْمَةِ الْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ والرِّجْلَينِ أَنْ تَسْتَعْمِلَهَا فِي طَاعَةِ اللهِ. فَالْقِيَامُ بالشُّكْرِ يَكُونُ بِالْعَمَلِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿اِعْمَلُوا ءالَ داوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ﴾ [سورة سبأ/13]. والشَّكُورُ هُوَ الْوَلِـيُّ الَّذِي يَصْرِفُ كُلَّ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْهِ لِطَاعَةِ اللهِ، لِذَلِكَ أَعْظَمُ الشُّكْرِ تَقْوَى اللهِ تَعَالَى ﴿فَاِتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [سورة آل عمران/123]. فالشَّاكِرُ الْكَامِلُ هُوَ الَّذِي أَدَّى الْفَرَائِضَ كُلَّهَا العَمَلِيَّةَ والقَلْبِيَّةَ، ثُمَّ إِذَا كَانَ كَامِلًا فِي الشُّكْرِ فَيُقَالُ لَهُ شَكُورٌ.
"وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" أيْ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ والأَتَمِّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ صِدْقِ الْإِخْلَاصِ للهِ فِيهَا، وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ عَنِ النَّبيِّ ﷺ لِتَكُونَ حَسَنَةً أَيْ مَقْبُولَةً عِنْدَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
هَذَا الدُّعَاءُ جَلِيلُ الْقَدْرِ عَظِيمُ الشَّأْنِ، لِهَذَا وَصَّى الْمُصْطَفى ﷺ حَبيبَهُ مُعَاذًا أَنْ لَا يَدَعَ هَذَا الدُّعَاءَ الْجَلِيلَ بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، ومِنْ ثَمَّ فَهُوَ حَثٌّ مِنَ النَّبِيَّ ﷺ لِلْأُمَّةِ كُلِّهَا. اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ وَالْـحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.