الأفضل لك

قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ سورة البقرة

الأفضل لك

الأفضل لك أن تكونَ متسامحًا

الْأفْضَلُ لَكَ أَنْ تَعْفُوَ عَنْ أَخِيكَ

رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي أيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ".

فَفِي الْـحَدِيثِ نَهْيٌ عَنْ هَجْرِ الْمُسْلِمِ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِي كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ فَيُعْرِضُ عَنْهُ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمُهُ، مَعْنَاهُ هَذَا يَرَى الآخَرَ فِي الطَّرِيقِ فَيُوَلِّيهِ ظَهْرَهُ والآخَرُ كَذَلِكَ، أَمَّا إِذَا هَجَرَهُ لِعُذْرٍ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ كَأَنْ تَرَكَ شَخْصٌ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَهُ ءاخَرُ: "أَنَا لَا أُكَلِّمُكَ حَتَّى تَتُوبَ وَتَعُودَ وَتُصَلِّي" فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مِنَ الْأَرْحَامَ.
وَالَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ فَهَذَا خَيْرٌ مِنَ الآخَرِ لِأَنَّهُ يَخَافُ اللهَ، فَيَخْرُجُ مِنَ الْإِثْمِ، بِدَليلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ" أَفْهَمَنَا بِذَلِكَ أَنَّ إِثْمَ الْـهَجْرِ يَرْتَفِعُ بِالسَّلَامِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ: "قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: تَزُولُ الْـهِجْرَةُ بِـمُجَرَّدِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ". فابْدَأْ أَنْتَ بِالسَّلَامِ، الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ يَسْبِقُ إِلَى الجَنَّةِ، إفْشَاءُ السَّلَامِ مِنْ أَسْبَابِ الـمَحَبَّةِ والـمَحَبَّةُ مِنَ الْإيمَانِ وَالْإيمَانُ سَبَبٌ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ. لِذَلِكَ طَرْحُ السَّلَامِ سُنَّةٌ، وَرَدُّهُ فَرْضٌ، كَيْفَ؟ ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ( 86 )﴾ الْآيَةَ [سورة النساء].
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلَاثٌ فلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ -قَالَ- اِشْتَرَكَا فِي الْأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَقَدْ بَاءَ بِالْإِثْمِ، وَخَرَجَ المُسَلِّمُ مِنَ الْهِجْرَةِ"، أَمَّا الْآخَرُ الَّذِي يُعْرِضُ فَقَدَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ، إلّا أَنْ يَتَدَارَكَهُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ" أَيْ إِنَّ هَذَا يَسْتَحِقُّ دُخُولَ النَّارِ، إلّا أَنْ يَعْفُوَ اللهُ عَنْهُ، أَوْ أَنْ يَتَدَارَكَهُ بِرَحْمَتِهِ. فَخُذْ بِيَدِ أَخِيكَ وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ فَقَدَ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاِتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ [سورة الأنفال/1]. مَا أَجْمَلَ أَنْ تَبْدَأَ بالسَّلَامِ! مَا أَجْمَلَ أَنْ تَمْلِكَ الْمُبَادَرَةَ! مَا أَجْمَلَ أَنْ تَسْبِقَ إِلَى الجَنَّةِ! مَا أَعْظَمَ أَنْ تَكْظِمَ غَيْظَكَ! ومِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُعَالِجُ الْخِصَامَ، وَتُؤَلِّفُ بَيْنَ الْقُلُوبِ: الْهَدِيَّةُ، وَإفْشَاءُ السَّلَامِ، وَرَدُّ التَّحِيَّةِ، وَزِيَارَةُ الْمُسْلِمِ وَعِيَادَتُهُ إِذَا مَرِضَ، وَالْعَفْوُ والتَّسَامُحُ، وَالْكَلَامُ اللَّيِّنُ، وَحُسْنُ الْـخُلُقِ وَفِي الْمُجْمَلِ اِتِّبَاعُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، واطْرُدِ الشَّيْطَانَ مِنْ بَيْنِنَا، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا للَّذِينَ ءَامَنُوا.