الأفضل لك

قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ سورة البقرة

الأفضل لك

الأفضل لك أن تكون تاليًا متدبّرًا للقرءانِ الكريم

الأَفْضَلُ لَكَ قِرَاءَةُ القُرْءَانِ العَظِيمِ مَعَ التَدَبُّرِ لِمَعَانِيهِ

رَوَى الطَّبَرَانيُّ فِي كِتَابِ مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي قَالَ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا رَأْسُ أَمْرِكَ». وقَالَ: «عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْءَانِ وَذِكْرِ اللهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَكَ نُورٌ فِي السَّمَوَاتِ وَنُورٌ فِي الأَرْضِ».
قِرَاءَةُ الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ تُلَيِّنُ الْقُلُوبَ وَتُهَذِّبُ النُّفُوسَ وَتُرْشِدُ إِلَى حُسْنِ الْأَعْمَالِ وَحَمِيدِ الْخِصَالِ،

فَالْأفْضَلُ لَكَ قِرَاءةُ الْقُرْءَانِ الْعَظِيمِ مَعَ التَدَبُّرِ لِمَعَانِيهِ، وَالتَّرْتِيلِ لِأَلْفَاظِهِ، فَلَا يَنْبَغِي لِقَارِئِ الْقُرْءَانِ أَنْ يَقْرَأَ كَمَا يَقْرَأُ الغَافِلُونَ الّذِينَ يَقْرَأوْنَ القُرْءانَ بِألْسِنَةٍ فَصِيحَةٍ وَأصْوَاتٍ عَالِيَةٍ وَقُلُوبٍ مِنَ الخُشُوعِ وَالتَعْظِيمِ للهِ خَالِيَةٍ، يَقْرَأونَهُ كَمَا أُنْزِلَ مِنْ فَاتِحَتِهِ إلى خَاتِـمَتِهِ وَلَا يَدْرُونَ مَعْنَاهُ، وَلاَ يَعْلَمُونَ لِأَيِّ شَىْءٍ أُنْزِلَ، وَلَوْ عَلِمُوا لَعَمِلُوا.
وَلِتِلَاوَةِ الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ ءَادَابٌ يُلْتَزَمُ بِهَا، فَيَنْبَغِي عَلَى الْقَارِئِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي نَفْسِهِ أنَّهُ يُنَاجِي اللهَ فَيَقْرَأُ عَلَى حَالِ مَنْ يَشْعُرُ بِعَظَمَةِ مَوْلَاهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَأَدِّبًا مَعَ اللهِ. وَمُنَاجَاةُ اللهِ مَعَنَاهُ الْإقْبَالُ عَلَى اللهِ بِدُعَائِهِ وَتَمْجيدِهِ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "إذَا كَانَ أَحَدُكُم فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْصُقَنَّ فِي قِبْلَتِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ" وَالْمَعْنَى أَنَّ الـمُصَلِّيَ تَجَرَّدَ لِمُخَاطَبَةِ رَبِّهِ انْقَطَعَ عَنْ مُخَاطَبَةِ النَّاسِ لِمُخَاطَبَةِ اللهِ، فَلَيْسَ مِنَ الْأدَبِ مَعَ اللهِ أَنْ يَبْصُقَ أَمَامَ وَجْهِهِ، وَلَيْسَ مَعَنَاهُ أَنَّ اللهَ هُوَ بِذَاتِهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "فَإِنَّ رَبَّهُ بَيْنَه وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ" فَمَعْنَاهُ أنَّ رَحْمَةَ رَبِّهِ أَمَامَهُ أَيْ الرَّحْمَةَ الخَاصَّةَ الَّتِي تَنْزِلُ عَلَى الـمُصَلِّينَ.
وَلَقَدْ حَثَّ النَّبِيُّ ﷺ أُمَّتَهُ عَلَى قِرَاءةِ الْقُرْءَانِ وَعَدَمِ الْاِنْقِطَاعِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْءَانَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الـمُؤمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْءانَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا" والأُتْرُجَّةُ فَاكِهَةٌ تُشْبِهُ الْحامِضَ لَوْنُهَا أَصْفَرُ مِنَ الْخَارِجِ، فَالْمُؤْمِنُ الَّذِي صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَيَقْرَأُ القُرْءَانَ يَكُونُ جَمَعَ بَيْنَ شَيْئَينِ الشَّىْءِ الْبَاطِنِيِّ الَّذِي هُوَ الْإيمَانُ بِالْقَلْبِ، والشَّىْءِ الظَّاهِرِيِّ الَّذِي هُوَ قِرَاءةُ الْقُرْءَانِ، فَلِذَلِكَ شَبَّهَهُ الرَّسُولُ ﷺ بِهَذِهِ الْفَاكِهَةِ الطَّيِّبَةِ.
إِنَّ تِلاوَةَ الْقُرْءَانِ مِنْ صَالِـحَاتِ الْأَعْمَالِ، إِنَّهَا النُّورُ الَّذِي يُشْرِقُ فِي الصُّدُورِ وَتَجْعَلُ صَاحِبَهَا مُتَحَلِّيًا بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ. إِنَّ فَضَائِلَ تِلاوَةِ الْقُرْءَانِ لَا تَشْرَحُهَا عِبَارَةٌ، وَلَا يُحِيطُ بِهَا إلَّا اللهُ سُبْحَانَه وَتَعَالَى، فَهِي تَزْرَعُ فِي الْقَلْبِ السَّكِينَةَ والطُمَأْنِينَةَ: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [سورة الرعد/29]. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا وأَصْلِحْ لنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لنَا ءاخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا.