الأفضل لك

قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ سورة البقرة

الأفضل لك

الأفضل لك ترك المِراء

الْأفْضَلُ لَكَ تَرْكُ الْمِرَاءِ

رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْآدَابِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: "أَنَا زَعيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الـجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الـجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أعْلَى الـجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ"

فَقَدْ أَفْهَمَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ بِأَنَّهُ ضَامِنٌ وَكَافِلٌ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا أَيْ لِمَنْ تَرَكَ الْجِدَالَ الَّذِي لَا يَعُودُ لِمَصْلَحَةٍ فِي الدِّينِ أَيْ لَا يَعُودُ إِلَى إِحْقَاقِ الْحَقِّ وَلَا إِبْطَالِ الْبَاطِلِ، إِنَّمَا مُـجَرَّدُ مُجَادَلَةٍ فِي الْأُمُورِ التَّافِهَةِ وَنِزَاعٍ، بِأَنْ يُعْطِيَهِ اللهُ بَيْتًا فِي رَبَضِ الـجَنَّةِ أَيْ أَطْرَافِهَا.
أَمَّا إِنْ كَانَ الْغَرَضُ مِنَ الْجِدَالِ إِحْقَاقَ الْحَقِّ وَإِبْطَالَ الْبَاطِلِ فَهَذَا حَقٌّ وَاجِبٌ، كَمَا إِذَا إِنْسَانٌ قَالَ عَنْ شَىْءٍ أَحَلَّهُ اللهُ "حَرَامٌ" فَمُجَادَلَتُهُ فَرْضٌ لِإِظْهَارِ أَمْرِ الدِّينِ. فَإِذَا جَادَلْتَ إِنْسَانًا يُحَلِّلُ الْـحَرَامَ أَوْ جَادَلْتَ شَخْصًا يُحَرِّمُ الْـحَلَالَ، تَرُدُّهُ إِلَى الصَّوَابِ حِفْظًا للشَّرِيعَةِ فَأَنْتَ لَكَ ثَوَابٌ عِنْدَ اللهِ بِهَذَا الْمِرَاءِ بِهَذَا الْجِدَالِ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الشَّرِيعَةِ فَرْضٌ عَظِيمٌ، الْمُجَادِلُ فِيهِ لِإِحْقَاقِ الْحَقِّ وَإِبْطَالِ الْبَاطِلِ لَهُ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ، وَهَكَذَا كَانَتْ سِيرَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ كَانُوا يُجَادِلُونَ الْمُخَالِفِينَ لِلْحَقِّ حَتَّى يَرُدُّوهُمْ إِلَى الْحَقِّ. أَلَيْسَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَادَلَ نُـمْرُودَ وَهُوَ وَحِيدٌ فِيمَا بَيْنَ أُولَئِكَ النَّاسِ الَّذِينَ كَانُوا تَحْتَ حُكْمِ نُـمْرُودَ؟ مَعَ ذَلِكَ لِقُوَّةِ تَوَكُّلِهِ عَلَى اللهِ جَادَلَهُ لِيُحِقَّ الْحَقَّ.
كَانَ الْإمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: "إِنِّي أُجَادِلُ الْمَرْءَ لَا أُحِبُّ أَنْ أَكْسِرَهُ إِنَّمَا أُحِبُّ أَنْ يَظْهَرَ الْحَقُّ وَلَوْ فِي جَانِبِهِ" فَكَانَ الْإمَامُ الشَّافِعِيُّ قَصْدُهُ مِنْ جِدَالِهِ إِظْهَارَ الْحَقِّ وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ تَهْشِيمَ الَّذِي يُجَادِلُهُ كُمَا يَكُونُ قَصْدُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ عِنْدَمَا يُجَادِلُونَ، وَهَذَا مِنْ ذَمِيمِ الْخِصَالِ لَا يُحِبُّهُ اللهُ تَعَالَى، وَإِلَى ذَلِكَ يَدُلُّ حَديثُ رَسُولِ اللهِ ﷺ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الصَّحِيحِ: "لَيْسَ الشَّدِيدُ الَّذِي يَغْلِبُ النَّاسَ وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ" وَمَعْنَى "مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ" أَيْ يَقْهَرُهَا حَتَّى لَا يَكُونَ قَصْدُهَا الرِّيَاءَ وَالْاِسْتِعْلاءَ عَلَى النَّاسِ والتَّرَفُعَ عَلَيهِمْ.
الـجَنَّةُ جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، طَبَقَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَلَوْ كَانَ الشَّخْصُ نَالَ مَوْضِعًا فِي رَبَضِهَا فَهُوَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ لَا تَقُومُ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. اللَّهُمُّ ءاتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَ الْأخْلاقِ إِنَّه لَا يَصْرِفُ سّيِّئَهَا إلّا أَنْتَ.