لحظات... مع النبيّ صلى الله عليه وسلم
من كتاب صحيح البخاري

قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴿٤﴾ سورة القلم

لحظات... مع النبيّ صلى الله عليه وسلم
من كتاب صحيح البخاري

من طعام النبيّ صلى الله عليه وسلم

من طعام النبيّ صلى الله عليه وسلم

العسل

لقد حثَّ النبيُّ الأعظمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أمتَهُ على الاستشفاءِ بالعسلِ والقرءانِ فقالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "عليكم بالشفاءَينِ العسلِ والقرءانِ" رواهُ الحاكمُ في المستدركِ، والعسلُ غذاءٌ كاملٌ نافعٌ للكبارِ والصغارِ،

وفيهِ شفاءٌ للناسِ مِنْ كثيرٍ مِنَ الأمراضِ، قالَ اللهُ تباركَ وتعالى في القرءانِ الكريمِ في وصفِ النحلِ: ﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة النحل / 69].
وجاءَ في الحَديثِ الذي رواهُ البخاريُّ عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضيَ اللهُ عنهُ: أنَّ رجُلًا أَتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: "أخي يَشتَكي بَطْنَهُ"، أي هو مريضٌ ووجعُهُ في بَطْنِهِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «اسْقِهِ عَسَلًا» أي اسقِهِ عسلَ النَّحلِ؛ فإنَّ فيه شفاءً كما قالَ اللهُ: ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ [سورة النحل/ 69]، أيْ من أَدواءٍ تَعرِضُ لهم، فسَقَى الرجُلُ أخاهُ عسلًا ثلاثَ مراتٍ فلمْ يَبرَأْ، فقالَ بعدَ المرَّةِ الثالثةِ: قدْ فعلتُ؟ أي: قد فعلتُ ما أَمرتني بهِ وسقَيْتُهُ عسلَ النَّحلِ ولكنَّه لم يبرَأْ، فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «صدَقَ اللهُ، وكذَبَ بَطْنُ أخيكَ، اسقِهِ عَسَلًا»، أي صدَقَ اللهُ فيما قالَهُ عن عَسلِ النَّحلِ: ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾، وكذَبَ بطنُ أخيكَ؛ لأنَّه لم يَستجِبْ للدَّواءِ في المرَّاتِ السابِقةِ فيَحْتاجُ إلى جُرُعاتٍ أُخرى، فكرَّرَ: اسْقِهِ عَسلًا مرةً رابعةً، "فَسَقاهُ فَبَرَأَ"، وإنما قالَ له النبيُّ ذلكَ لأنهُ كانَ يناسبُهُ العسلُ، فظهَر صِدقُ اللهِ وصِدقُ رَسولِهِ فيما أَخبرَ بهِ، ولكنَّ الشفاءَ لهُ أسبابٌ لا بدَّ مِن الأخْذِ بها، كتعدُّدِ جُرعاتِ الدَّواءِ الكافيةِ للقَضاءِ على المرضِ. وفي الحديثِ: الأخذُ بالأسبابِ والسُّبُلِ المؤدِّيةِ إلى الشِّفاءِ مِنَ الأمراضِ. وفيه لزومُ تَصديقِ كلِّ ما أخبَر اللهُ عزَّ وجلَّ بِه.
وكانَ النبيُّ الأعظمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يحبُّ العسلَ ويشربُ كلَّ يومٍ قدحَ عسلٍ ممزوجًا بالماءِ على الريقِ، يتناولُ كوبًا مِنَ الماءِ مذابًا فيهِ ملعقةٌ مِنْ عسلِ النحلِ ويُذِيبُها إذابةً جيدةً، وذلكَ حينما كانَ يستيقظُ مِنْ نومِهِ وبعدَ فراغهِ مِنَ الصلاةِ وذكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ. وهذهِ فيها حكمةٌ عجيبةٌ وسرٌّ بديعٌ في حفظِ الصحةِ والقوةِ، وقد ثبتَ في الطبِّ الحديثِ عظيمُ فائدتِها للصحةِ.
وكانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يراعي صفاتِ الأطعمةِ وطبائعِها واستعمالِها على الوجهِ اللائقِ بها على قاعدةِ الطبِّ، كما كانَ يغتذي في طعامهِ بخبزِ الشعيرِ معَ الملحِ والخلِّ ونحوِهما، وكانَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في حياتهِ يراعي في حفظِ صحتهِ أمورًا فاضلةً جدًّا كشربِ ماءِ العسلِ على الريقِ، وفي النهايةِ لا نملكُ إلا أن نقولَ قالَ اللهُ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾ [سورة الأحزاب /21].



الخبز

إنَّ الخبزَ مِنَ الأطعمةِ النافعةِ المغذيةِ التي يقومُ ويقوى بها بدنُ الإنسانِ، وهو نافعٌ وحافظٌ للصحةِ والقوةِ. والخبزُ المعروفُ في زمنِ النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كانَ يُصنعُ منَ القمحِ أو الشعيرِ أو الذرةِ، وكانَ أكلُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ مِنْ خبزِ الشعيرِ هو الأكثرَ والغالبَ كما يظهرُ مِنَ الأحاديثِ الصحيحةِ الثابتةِ.

ومِنْ سيرتهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أنَّ خبزَ القمحِ ما كانَ كثيرًا على مائدةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، قالتْ السيدةُ الجليلةُ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها: "ما شبعَ ءالُ محمدٍ من خبزِ البرِّ - وهو القمحُ - ثلاثَ ليالٍ تِباعًا - أي متتاليةً- حتى قُبضَ" أي ماتَ، وهذا لإعراضهِ عن الدنيا وزهدِه فيها.
وأكلَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ الخبزَ والتمرَ ووردَ في ذلكَ حديثُ صُهَيبٍ: "قدمتُ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وبينَ يدَيهِ تمرٌ وخبزٌ" رواهُ ابنُ السنيِّ وابنُ ماجَهْ.
وأكلَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ الخبزَ معَ اللحمِ، والخبزَ بالسمنِ، والخبزَ معَ التمرِ، كما أكلَ الخبزَ معَ البطيخِ وأكلَ الخبزَ بالخل ِّ. ومِنَ المهمِّ ذكرُهُ هنا أنَّ أكلَهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ مِنَ الخبزِ مأدومًا معَ غيرهِ مِنَ الأطعمةِ المغذيةِ هو مِنْ أحسنِ التدبيرِ، بل هُوَ مِنْ أسبابِ حفظِ الصحةِ وقوةِ البدنِ والأعضاءِ، بخلافِ الاقتصارِ على أحدِهما وحدَهُ، وقد سميَ الأُدْمُ أُدمًا لإصلاحِهِ الخبزَ وجعلِهِ ملائمًا لحفظِ الصحةِ والبدنِ.
قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "أكرموا الخبزَ" معناهُ مطلوبٌ إكرامٌ الخبزِ يعني أن لا يُرمى بحيثُ يُشعِرُ بالإزراءِ بهِ والإهانةِ، وأن لا يُرمى على المزابلِ فإنَّ رَميَهُ على المزابلِ خلافُ الإكرامِ، لا ينبغي إهانتُهُ بل المطلوبُ أن يُكرمَ ولا يهانَ.



التمر

كانَ النبيُّ المصطفى صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يحبُّ أكلَ التمرِ كثيرًا، وكانَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يأكلُهُ مِنْ بينِ الأطعمةِ التي فيها نفعٌ كبيرٌ في حفظِ الصحةِ وقوةِ البدنِ. وحضَّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أمتَهُ على أكلهِ وبيّنَ لهم في أحاديثهِ على فضلهِ وفوائدهِ منها قولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "لا يجوعُ أهلُ بيتٍ عندَهم تمرٌ" رواهُ مسلمٌ.

وقد كانَ التمرُ مِنَ الأطعمةِ المعتمدةِ في بيتِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، ويُوضحُ ذلكَ قولُ السيدةِ الجليلةِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها: "إنّا كنّا ءالَ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ نمكثُ شهرًا ما نستوقدُ بنارٍ إنْ هو إلا التمرُ والماءُ" رواهُ الترمذيُّ. كانَ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمِ يمضي عليهِ الشهرُ والشهرانِ ولا توقَدُ نارٌ في بيتِهِ، كان صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أيامًا عديدةً يواصلُ على التمرِ والماءِ عندَ الغداءِ والعشاءِ ولا يأكلُ شيئًا ساخنًا إلا التمرَ والماءَ. فالذي يريدُ الفلاحَ يقتدي بالأنبياءِ والأولياءِ والصالحينَ.
وقد أشارَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إلى التداوي بأنواعٍ مِنَ التمرِ لبعضِ العوارضِ كقولهً صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "من تصبّحَ بسبعِ تمراتٍ مِنْ عجوةِ المدينةِ مما بينَ لابتَيْها لم يضرَّهُ في ذلكَ اليومِ سُمٌّ ولا سِحرٌ" رواهُ مسلمٌ. والعجوةُ نوعٌ مِنَ التمرِ وعنى صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بقوله "لابتيها" موضعًا في المدينةِ هو "الحَرَّةُ" ينبتُ فيهِ هذا النوعُ مِنَ التمرِ. والحرةُ أرضٌ فيها حجارةٌ سودٌ، والمدينةُ يكتنفُها لابتانِ.
وكانَ النبيُّ العظيمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يحبُّ أكلَ التمرِ أو الرُّطَبِ معَ غيرهِ مِنَ الأطعمةِ سواءٌ كانَ مطبوخًا بها أو غيرَ ذلكَ، فقد كانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يحبُّ أكلَ الزبدِ بالتمرِ مطبوخًا بأن يُخلطا سويًّا ثم يُوضعا على النارِ حتى يندَمجا.
كما كانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يمدحُ أكلَ التمرِ وشربَ اللبنِ [أي الحليبِ] عليهِ، وسماهما صلى اللهُ عليهِ وسلمَ "الأطيبينِ" وهو حديثٌ صحيحٌ.